فصل: كَذَاكَ في ادِّعَائِهِ الخَسَارَهْ *** وَكَوْنِهِ قِرَاضاً أوْ إجَارَهْ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


وَلاَ يَجُوزْ شَرْطُ شَيْءٍ يُنْفَرَدْ *** بِهِ مِنَ الرِّبْحِ وَإنْ يَقَعْ يُرَدْ

‏(‏ولا يجوز‏)‏ لأحد المتقارضين ‏(‏شرط شيء‏)‏ لنفسه ‏(‏ينفرد به‏)‏ ويختص كدرهم ونحوه ‏(‏ من الربح‏)‏ والباقي بينهما لأنه قد لا يحصل في الربح إلا ذلك الدرهم المشترط فيذهب عمل العامل باطلاً ‏(‏وإن يقع‏)‏ ذلك الشرط فإن القراض ‏(‏يرد‏)‏ ويفسخ ويكون للعامل بعد العمل أجر مثله والربح لرب المال والنقصان عليه، ومثله ما إذا قلت له‏:‏ بع سلعتي فما بعتها به من شيء فهو بيني وبينك، أو قلت له فما زاد على مائة فهو بيننا فذلك كله لا يجوز والثمن لك وله أجر مثله‏.‏ قال ابن غازي في التكميل‏:‏ ومن معنى المسألة الثانية تقوم ثمرة الحائط على المساقي أو غيره بمائة مثلاً ويقول له‏:‏ بعه وما زاد على القيمة فبيننا مناصفة أو أرباعاً ونحو ذلك، فإن ذلك لا يجوز وللعامل أجر مثله اه‏.‏ وهذه تقع كثيراً في زيتون بلدنا فاس وعنبها وهذا بخلاف ما إذا قال‏:‏ جذ نخلي أو انفض زيتوني ولك نصفه فإنه جائز كما تقدم في الجعل والإجارة، وظاهر النظم عدم الجواز‏.‏ ولو كان المشترط معلوم الجزئية كقوله‏:‏ لي دينار من كل عشرة من الربح والباقي بيننا نصفان مثلاً وليس كذلك لأنه يؤول الأمر في هذا المثال ونحوه إلى أن يكون للمشترط من الربح قل أو أكثر خمسة أجزاء ونصف وللعامل أربعة أجزاء ونصف قاله ابن شاس وغيره‏.‏ ولا مفهوم لقوله من الربح بل شرط الانفراد بشيء من غيره كذلك ابن المواز‏.‏ قال مالك وأصحابه‏:‏ لا يجوز مع القراض شرط سلف ولا بيع ولا كراء ولا شرط قضاء حاجة ولا كتاب صحيفة ولا شرط أحدهما لنفسه شيئاً خالصاً، ولا أن يولى العامل شيئاً ولا أن يكافىء في ذلك، فإن نزل هذا كله فالعامل أجير إلا أن يسقط الشرط قبل العمل اه‏.‏ وقد ذكر الناظم من شروط القراض ثلاثة‏:‏ النقد والحضور والتعيين، ومن الموانع ثلاثة‏:‏ الضمان والأجل واشتراط شيء ينفرد به أحدهما والشرط ما يطلب وجوده والمانع ما يطلب عدمه، وقد بقي عليه شروط أخر وموانع أخر انظرها في ‏(‏خ‏)‏ وغيره‏.‏

وَالقَوْلُ قَوْلُ عَامِلٍ إنْ يُخْتَلَفْ *** في جُزْءِ القِراضِ أَوْ حَالِ التَّلَفْ

‏(‏والقول قول عامل أن يختلف‏)‏ بالبناء للمجهول ‏(‏في جزء القراض‏)‏ بعد العمل كما لو قال‏:‏ وهو عندي بنصف الربح‏.‏ وقال الآخر‏:‏ بالثلث لشروط أحدهما‏:‏ إن يشبه أشبه الآخر أم لا‏.‏ ثانيها‏:‏ أن يكون المال كله أو ربحه فقط أو الحصة التي يدعيها منه بيده أو يد نائبه أو وديعة عند أجنبي أو عند ربه بأن دفعه له على وجه الإيداع حتى يقتسماه وصدقه ربه أو قامت بذلك بينة‏.‏ ثالثها‏:‏ أن يحلف على ما يدعيه ‏(‏خ‏)‏‏:‏ والقول للعامل في جزء الربح إن ادعى مشبهاً والمال بيده أو وديعة وإن عند ربه وحلف ولربه إن ادعى الأشبه فقط الخ‏.‏ فإن لم يشبها حلفا معاً ووجب قراض المثل‏.‏ ‏(‏أو‏)‏ يختلف في ‏(‏حال التلف‏)‏ فإذا ادعاه العامل وادعى ربه عدمه فالقول للعامل اتفاقاً بيمينه لأن ربه رضيه أميناً ولو لم يكن أميناً في الواقع، وسواء ادعاه قبل الشغل أو بعده ما لم يظهر كذبه كدعواه التلف يوم كذا فتشهد البينة أنه ريء عنده بعد ذلك أو دعواه التلف وهو في رفقة لا يخفى ذلك فيها فسئل عن ذلك أهل الرفقة فلم يعلم ذلك أحد منهم‏.‏ وفي البرزلي سئل ابن الضابط عن مقارض ادعى ضياع صرة كانت وسط صرر ولم يضع سواها‏؟‏ فأجاب‏:‏ بالضمان لتبين كذبه بدعواه ضياعها دون غيرها مما معها، فتأمله فإن السارق قد يختطف ما تيسر له أخذه أو تسقط ونحو ذلك‏.‏

كَذَاكَ في ادِّعَائِهِ الخَسَارَهْ *** وَكَوْنِهِ قِرَاضاً أوْ إجَارَهْ

‏(‏كذا في ادعائه الخسارة‏)‏ ما لم يظهر كذبه أيضاً كأن يدعي الخسارة في سلعة لم يعلم ذلك فيها لشهرة سعرها ونحو ذلك فأنه ضامن‏.‏ ونقل ابن عبد السلام عن البادي أن العامل إذا لم يبين وجه الخسارة في القراض فهو ضامن اه‏.‏ انظر شرح الشامل‏.‏ ولا فرق في كون القول للعامل في التلف والخسر بين القراض الصحيح والفاسد كما في شراح ‏(‏ خ‏)‏ وفي المتيطية‏:‏ إذا سئل العامل عن القراض فقال هو وافر وفيه ربح فلما دعاه إلى القسمة ادعى الخسارة وأن ذلك من قوله، إنما كان لعلة أن يتركه عنده حتى يسعى في جبره لم يقبل قوله وهو ضامن ما لم تقم بينة أو دليل على ما قال‏.‏ ‏(‏و‏)‏ القول للعامل أيضاً في ‏(‏كونه‏)‏ أي المال ‏(‏قراضاً‏)‏ وقال ربه‏:‏ لكثرة ربحه بضاعة بأجر ‏(‏أو‏)‏ قال العامل ‏(‏إجاره‏)‏ أي بضاعة بأجر لفقد الربح، وقال ربه‏:‏ قراض وهذا إذا أشبه وحلف وكان التنازع بعد العمل انظر شرح المتن، وأما إن ادعى رب المال أنه قرض وقال العامل‏:‏ بل قراض أو وديعة فإن القول لرب المال بيمينه مطلقاً اختلفا قبل العمل أو بعده لأن العامل مقر بوضع يده الذي هو سبب الضمان مدع لدفع ذلك السبب، وكذا إذا قال رب الطعام لقابضه‏:‏ بعته لك بثمن لأجل، وقال قابضه‏:‏ بل أسلفته لي فالقول لمدعي السلف قاله ابن رشد ونقله الفشتالي وغيره‏.‏ وكذا لو قال‏:‏ أشهدكم بأنى أبرأت فلاناً من المائة دينار التي لي عليه، فلما لقي الشهود فلاناً وأخبروه بالإبراء المذكورة قال لهم‏:‏ كذب ما كان له عليه شيء وإنما أسلفته المائة التي ذكرها، فالقول للمسلف مع يمينه عند ابن القاسم قاله في المفيد‏.‏ ابن سهل‏:‏ وإن ادعى ورثة على رجل أن موروثهم باع من المدعى عليه سلعة وبقي ثمنها عنده وقال المطلوب‏:‏ لم أشترها منه وإنما أنا دلال أبيع للناس فبعتها بثمن دفعته إليه وأخذت أجرتي، فإن القول للورثة عند أكثر الأصحاب كمسألة دعوى القراض والآخر القرض وهو الصواب اه‏.‏ ابن يونس‏:‏ وإن قال العامل‏:‏ خسرت في البز فادعى رب المال أنه نهاه عنه، فالقول للعامل إنه لم ينهه بخلاف لو استدان فادعى أن رب المال أمره بذلك فإن القول لرب المال إنه لم يأمره به‏.‏

تنبيه‏:‏

القول للعامل أيضاً في دعوى رد القراض لربه إن قبضه بلا بينة مقصودة للتوثق‏.‏ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ والقول للعامل في تلفه وخسره ورده إن قبض بلا بينة الخ‏.‏ والمقصودة للتوثق هي التي أشهدها الدافع والقابض على الدفع والقبض معاً سواء علم العامل وفهم أن رب المال قصد بهذا الإشهاد خوف دعوى الرد أم لا‏.‏ فلو أشهدها القابض على نفسه بالقبض بغير حضور رب المال، وأشهدها رب المال مقراً بأن الإشهاد لا لخوف الجحود ودعوى الرد بل لخوف إنكار الورثة العامل إن مات أو حضرت البينة على سبيل الإتفاق، ولم يقل لها القابض والدافع‏:‏ اشهدوا علينا فذلك كله كالقبض بلا بينة فيصدق في الرد فيه كما أفصح عن ذلك ‏(‏ز‏)‏ في شرحه للنص المتقدم، وبه قرار الخرشي وغيره قوله في الشركة‏:‏ ولمقيم بينة بأخذ مائة إن أشهد بها عند الأخذ الخ‏.‏ ومما يوضح ذلك قول البرزلي ما نصه‏:‏ وما يفعله الناس اليوم إذا أعطاه قراضاً أو بضاعة يأتون إلى العدول ويكتبون رسماً بذلك هي البينة المقصودة للتوثق اه‏.‏ واحترز بالمقصودة للتوثق من البينة الحاضرة على وجه الاتفاق‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ ومن أخذ الوديعة بمحضر قوم ولم يقصد إشهادهم عليه فهو كقبضه بلا بينة حتى يقصد الإشهاد عليه اه‏.‏ وبهذا كله تعلم أن ما في ‏(‏ح‏)‏ وابن رحال في باب الوديعة من اشتراط حكم المودع عنده وفهمه عند الإشهاد أنه لا تقبل دعواه الرد إلا ببينة، فحينئذ تكون مقصودة للتوثق خلاف النقل كما في ‏(‏ق‏)‏ وغيره‏.‏ وقد أوضحناه في شرح الشامل فانظره‏.‏ وقولي‏:‏ مقراً بأن الإشهاد الخ‏.‏ احترازاً مما إذا سكت عند الإشهاد وادعى بعد ذلك أنه قصد به التوثق وخوف دعوى الرد فإنه يصدق‏.‏

وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ في غَيْرِ السَّفَرْ *** نَفَقَةٌ والتَّرْكُ شَرْطٌ لا يُقَرْ

‏(‏وليس للعامل في غير السفر نفقة‏)‏ من مال القراض ولا كسوة قال فيها‏:‏ وإذا كان العامل مقيماً في أهله فلا نفقة له من المال ولا كسوة اللخمي‏:‏ وهذا إذا لم يشغله العمل في القراض عن الوجوه التي كانت تقوم منها نفقته وإلاَّ فله النفقة كالمسافر به، وتقييد اللخمي معتبر ومفهوم غير السفر أنه إذا سافر تكون له الكسوة والنفقة بالمعروف بشرط أن يحتمل المال ذلك، وأن لا يسافر لأجل غزو أو حج أو زوجة بنى بها أو صلة رحم، وإلاَّ فلا نفقة له ذهاباً وإياباً لأن ما لله لا يشارك به غيره‏.‏ ‏(‏ خ‏)‏‏:‏ وأنفق إن سافر ولم يبن بزوجة واحتمل المال لغير أهل وحج وغزو بالمعروف وتكون نفقته في القراض فقط، فلو أنفق من غيره ثم تلف المال أو زادت عليه لم يتبع رب المال بشيء واكتسى إن بعد ووزع إن خرج لحاجة وإن أخذه بعد أن اكترى للحاجة وتزود لها، ومعروف المذهب عند اللخمي وغيره أنه لا نفقة له في هذه الحالة لأنه بمنزلة من سافر لأهله‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ اختلف في المال الكثير الذي يحمل الإنفاق والقليل الذي لا يحمله، فعن مالك السبعون ديناراً يسير لا ينفق منها، وعنه أيضاً ينفق في الخمسين فجمع بينهما بحمل الأول على السفر البعيد فإن الإنفاق يجحف بالمال والثاني على القريب، ولو كان أخذ قراضاً بالفسطاط وله بها أهل وخرج إلى بلد له بها أهل أيضاً فلا نفقة له في ذهابه ولا إيابه، فإن لم يكن له أهل في البلد التي أخذ فيها القراض فلا نفقة له في ذهابه وله النفقة في رجوعه‏.‏ البساطي‏:‏ يؤخذ من هذا أنه إذا سافر عن وطنه لا نفقة له في الرجوع إليه‏.‏ وفي المدونة نفقة العامل ذاهباً وراجعاً، وفيها أيضاً‏:‏ لا نفقة له في رجوعه من غير بلده‏.‏ البساطي‏:‏ فيحمل الأول على الذهاب والرجوع لغير وطن اه‏.‏ فإن سافر لتنمية المال بزوجته فله النفقة على نفسه فقط في سفره ذهاباً وإياباً، وأما في إقامته في بلده للتجارة فهل له النفقة في مدة الإقامة بناء على أن الدوام كالابتداء‏؟‏ وظاهر كلامهم أنه ليس كالابتداء قاله الأجهوري‏.‏

الثاني‏:‏ لو قال العامل بعد المقاسمة ودفع المال لربه بربحه‏:‏ أنفقت من مالي ونسيت الرجوع به قبل القسمة أو نسيت الرجوع بالزكاة ونحو ذلك، فإنه لا يصدق بمنزلة من ادعى الغلط بعد المحاسبة قاله ابن يونس وابن رشد‏.‏ البرزلي‏:‏ وسواء قام بالقرب أو بعد طول وهو الصواب بخلاف الجمال يدفع الحمولة ثم يطلب الكراء بالقرب اه‏.‏ وكذلك الوصي يحاسب نفسه ثم بعد ذلك يدعي أنه غلط في الحساب وأنه نسي أجرته ونحو ذلك، فإنه لا يصدق قياساً على مسألة القراض قاله العبدوسي‏.‏

‏(‏و‏)‏ شرط ‏(‏الترك‏)‏ للإنفاق من المال الكثير الذي يحتمل الإنفاق ‏(‏شيء لا يقر‏)‏ لعدم جوازه، فإن وقع ونزل وشرط عليه عدم الإنفاق منه وفات بالعمل فالعامل أجير قاله ابن سلمون‏.‏

وَعِنْدَما مَاتَ وَلاَ أَمِينَ في *** وُرَّاثِهِ وَلاَ أَتَوْا بالخَلْفِ

‏(‏وعندما مات‏)‏ العامل قبل نضوضه ‏(‏ولا أمين في وراثه‏)‏ يقوم مقامه ويكمل عمله ‏(‏ ولو أتوا‏)‏ أي الوراث ‏(‏بالخلف‏)‏ أي بأمين كموروثهم في الأمانة‏.‏

رُدَّ إلى صاحِبِهِ المالُ وَلا *** شيْءٌ مِن الرِّبْحِ لِمِنْ قَدْ عَمِلاَ

‏(‏رد إلى صاحبه المال‏)‏ وسلموه له مجاناً ‏(‏ولا شيء من الربح لمن قد عملا‏)‏ ولم يتم عمله وهو الموروث أي‏:‏ فليس لوارثه شيء مما عمل، ومفهومه أنه لو كان فيهم أمين ولو دون موروثهم في الأمانة أو أتوا بأمين أجنبي مثل الموروث فيها بصيراً بالبيع لا يخدع فيه، فإنه يقضي لهم بتكميله ويستحقون ما كان لموروثهم من الربح ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وإن مات فلوارثه الأمين أن يكمله وإلا أتى بأمين كالأول وإلا سلموه هدراً الخ‏.‏ وظاهره كالناظم أن الوارث محمول على عدم الأمانة حتى يثبتها لأن الأصل عدمها وهو كذلك، قال أبو الحسن‏:‏ حملهم يعني في المدونة على غير الأمانة وفي المساقاة على الأمانة لأن القراض مما يغاب عليه والعمل فيه تعلق بعين العامل بخلاف المساقاة، فإن العمل تعلق بذمة العامل فإذا مات أخذ من ماله ما يستأجر به على كمال عمله وقوله ولا شيء من الربح الخ‏.‏ نحوه المساقي يعجز أو يموت كما مّر في المساقاة، وهذا كله إذا مات عامل القراض، وأما لو مات ربه فإن العامل يبقى على قراضه فإن أراد الورثة أخذه فلهم ذلك إن كان قد نض وإلاَّ صبروا لنضوضه، فإن حركه العامل بعد نضوضه وقبل علمه بموته مضى على القراض حتى ينض ولا ضمان عليه، كالوكيل يتصرف قبل علمه بموت موكله، وقيل‏:‏ يضمن لخصمه على مال الوارث فإن حركه بعد علمه بموته ضمن والربح لهما إلا أن يتجر لنفسه فالربح له وحده لأنه حينئذ كالمودع عنده تجر بالوديعة ويصدق في أنه اشترى لنفسه إن نازعه الوارث كما يصدق الوكيل في الشراء لنفسه إن نازعه الموكل كما في ‏(‏ز‏)‏ آخر الوكالة‏.‏ والقراض توكيل‏.‏ وتقدمت الإشارة إليه آخر اختلاف المتبايعين‏.‏

وهوَ إذَا أَوْصَى بِهِ مُصَدَّقُ *** في صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ يُسْتَوْثَقُ

‏(‏وهو‏)‏ أي العامل ‏(‏إذا أوصى به‏)‏ أي بالقراض ومثله الوديعة ‏(‏مصدق‏)‏ سوء أوصى به ‏(‏في صحة أو مرض يستوثق‏)‏ المريض به ويهلك بسببه، وظاهره التصديق سواء عين ذلك كهذا قراض لزيد أو وديعة أو بضاعة أو لم يعين شيئاً، وسواء عرف أصل ذلك أم لا‏.‏ كان عليه دين فلس فيه أم لا‏.‏ وهو كذلك على تفصيل فيه، فإنه إذا عينه فإن المعين له يأخذه ويقدم على سائر الغرماء الثابتة ديونهم ببينة أو إقرار في صحة أو مرض ما لم يعين ذلك حين تفليسه أو قيام الغرماء عليه، وإلاَّ فلا يقبل قوله إلا أن قامت بينة بأصله تشهد أن عنده لفلان وديعة أو قراضاً، فإن قامت بذلك قبل قوله ولو لم يتهم عليه، وأما إن لم يعين شيئاً بل قال‏:‏ عندي قراض أو وديعة لزيد قدرهما كذا فإن لم يكن مفلساً قبل إقراره ويؤخذ ذلك من تركته، وإن كان مفلساً بطل إقراره ما لم تكن على أصله بينة وإلاَّ حاصص به الغرماء كما في العتبية عن ابن القاسم‏.‏ هذا كله إذا أقر بما هو فيه أمين، وأما إن أقر بدين في ذمته فإن كان أقر بمجلس قيام الغرماء أو بقربه قبل إقراره وحاص الغرماء إن كانت ديونهم ثابتة بإقرار لا ببينة ‏(‏ خ‏)‏‏:‏ في الفلس وقبل إقراره بالمجلس أو بقربه إن ثبت دينه بإقرار لا ببينة، ثم قال‏:‏ وقبل تعيينه القراض والوديعة إن قامت بينة بأصله‏.‏ وقال في القراض وتعين بوصية وقدم في الصحة والمرض الخ‏.‏ فكلام الناظم مقيد بغير المفلس وإلاَّ فلا يصدق إلا إن قامت بينة بأصل ما يوصى به، ومفهوم أوصى به أنه إذا لم يوص بشيء فإنه يؤخذ من تركته ما ثبت عليه منه بإقرار أو بينة، وإن لم يوجد وحاص غرماءه لكن محله إذا لم يتقادم عهده كعشرة أعوام كما قال ‏(‏خ‏)‏ في الوديعة‏:‏ وضمن بموته ولم يوص ولم يوجد إلا لكعشر سنين وما لم يدع ما يسقطه من تلف ونحوه قبل موته أو لم يدع الورثة أن موروثهم رده لربه أو تلف منه قبل موته فإنهم يصدقون لأن الوارث قائم موروثه كما مّر في الاختلاف في متاع البيت وكما قالوه عند قول ‏(‏خ‏)‏ في الوديعة‏:‏ وبدعوى الرد على وارثك، وما لابن رحال في باب القراض من عدم تصديق الورثة لا يلتفت إليه، وإنما كان يؤخذ من تركته إذا لم يوجد ويحاصص به حيث لم يتقادم عهده مع احتمال كونه تلف أو خسر فيه أو رده لربه، لأن الأصل والغالب هو السلامة وعدم الخسر والرد، ولهذا أوجبوا أخذه من تركته وعمروا به ذمته حتى صار ربه يحاصص به كما مّر، وبه نعلم سقوط ما في حاشية الشيخ الرهوني من اعتبار ذلك الاحتمال قائلاً‏:‏ لأن الأصل براءة الذمم ولا تعمر إلا بيقين الخ‏.‏ لأنا نقول كما لا تعمر إلا بيقين لا تبرأ إلا به، وهنا عمرت بيقين واحتمال طرو التلف وما معه كاحتمال طرو القضاء في الدين الثابت فهو خلاف الأصل، والغالب الذي هو استصحاب ما كان على ما كان وما ذكره من البحث أصله في البرزلي عن بعضهم، ولكن قد علمت ما فيه، ولهذا قال في المعيار قبل نوازل الهبات فيمن سافر بالقراض لبلد السودان بإذن ربه وطال مقامه إحدى عشرة سنة قال‏:‏ إن هذا العامل قد تعدى بإبطائه هذه المدة التي سافر فيها الناس وجاؤوا فيجوز لرب المال القيام عليه ويضمنه ما ثبت من رأس المال ويحاصص به غرماءه اه‏.‏ باختصار‏.‏ فهو قد ضمنه رأس المال مع احتمال التلف والخسر وما ذاك إلا لكونهما خلاف الأصل والغالب، وبه كنت أفتيت في عامل غاب بالقراض مدة طويلة ووافقني عليه مفتي قاض شيخنا سيدي محمد بن إبراهيم وغيره ووقع الحكم به، وهذه المسألة كثيرة الوقوع في هذه البلدان ويفهم من قوله‏:‏ ويضمنه ما ثبت من رأس المال أنه لا يضمنه شيئاً من الربح وهو كذلك لأن الأصل عدم وجوده إلا أن تقوم بينة بأنه قد ربح بمحضرهم كذا أو أقر عندهم بذلك فإنه يحاصص بحصته منه أيضاً لأن الأصل حينئذ بقاؤه، ولذا قال البرزلي‏:‏ ولا يقضى على التركة بالربح إلا أن يتحقق الخ‏.‏ ثم ذكر عن ابن عرفة بعد هذا بورقة ونحوها أنه حكم فيها بالمال وبما يقدر له من الربح فانظر ذلك فيه‏.‏

وأجْرُ مِثْلٍ أوْ قِرَاضُ مِثْلِ *** لعامِلِ عند فَسَادِ الأَصْلِ

‏(‏وأجر مثل أو قراض مثل‏)‏ يجب أحدهما ‏(‏لعامل عند فساد الأصل‏)‏ أي القراض‏.‏ وأو في كلامه بمعنى قيل لأنهما قولان مرويان عن مالك ومنشؤهما هل ما فسد من العقد يرد إلى صحيح نفسه أو إلى فاسد أصله كما مَّر مثله في المغارسة والجعل لأن القراض مستثنى من الإجارة، والفرق بينهما أن أجرة المثل في الذمة وقراض المثل في الربح فإن لم يكن ربح فلا شيء له، وأجرة المثل يحاص بها الغرماء، وقراض المثل يقدم فيه عليهم وما فيه قراض المثل لا يفسخ بالشروع فيه كما يأتي، وفي المسألة رواية ثالثة بالتفصيل وهي رواية ابن القاسم أن القراض إذا كان بالعرض أو بجزء مبهم أو إلى أجل أو بدين أو بضمان أو قال له‏:‏ اشتر سلعة فلان ثم اتجر في ثمنها أو شرط عليه أن لا يتجر إلا في سلعة كذا وهي يقل وجودها أو لا يشترى إلا بدين أو أعطاه دنانير وشرط عليه أن يصرفها ثم يتجر في ثمنها، فهذه تسعة كلها فيها قراض المثل، وزيدت عاشرة وهي ما إذا اختلفا في الربح ولم يشبها فإنهما يردان إلى قراض المثل كما مر في قول الناظم‏:‏

والقول قول عامل إن يختلف الخ‏.‏ وفيما فسد مما عدا هذه المذكورات أجرة المثل، وعلى هذه الرواية درج ‏(‏خ‏)‏ إذا قال‏:‏ كفلوس وعرض إن تولى بيعه كأن وكله على دين أو ليصرف ثم يعمل فأجر مثله في توليه، ثم قراض مثله في ربحه كلك شرك ولا عادة أو مبهم أو أجل أو ضمن أو اشتر سلعة فلان ثم أتجر في ثمنها أو بدين أو ما يقل كاختلافهما في الربح وادعيا ما لا يشبه وفيما فسد غيره أجرة مثله‏.‏ وقد تقدم في النظم بعض ما فيه قراض المثل وبعض ما فيه أجرة المثل مشروحاً فراجعه فيما مّر‏.‏

تنبيه‏:‏

ذكر ابن مغيث وصاحب النهاية أن العمل جرى بقراض المثل في أربعة فقط وهي‏:‏ القراض بالعروض أو بالجزء المبهم أو إلى أجل أو بضمان، ويجمعها قولك‏:‏ ضمن العروض إلى أجل مبهم، وما عدا هذه الأربع فيه أجرة المثل‏.‏ وذكر البرزلي عن ابن يونس أن كل ما يرجع لقراض المثل يفسخ ما لم يشرع في العمل فيمضي وكذا المساقاة وكل ما يرجع إلى أجر المثل يفسخ أبداً‏.‏

باب التبرعات

الحبس والهبة والصدقة وما يتصل بها من العمرى والإرفاق والحيازة، قال الغرناطي‏:‏ تذكر في الوثيقة تسمية المحبس والمحبس عليه والحبس وموضعه وتحديده والمعرفة بقدره وتوليته الحيازة لبنيه الصغار إلى أن يبلغوا مبلغ القبض وعقد الإشهاد عليه ومعرفة الشهود لملك المحبس، فإن كان ساكناً فيه ضمنت معاينة الشهود لإخلائه إلا أن يحبس بكل ما فيها فلا يحتاج إلى إخلائها وإن كان المحبس عليه مالكاً أمره ذكرت قبضه للحبس ونزوله فيه وقبوله وضمنت معاينة القبض، وكذا تعقد في الصدقات والهبات اه‏.‏

قلت‏:‏ أما تسمية المحبس والمحبس عليه والشيء المحبس فهي أركان لا بد من ذكرها فإن سقط واحد من الأول والثالث بطل، وإن سقط المحبس عليه وقال‏:‏ داري حبس وسكت فإنه يصح وتكون وقفاً على الفقراء والمساكين عند مالك كما في البرزلي، وأما تحديده فسيأتي عند قوله‏:‏ ونافذ تحبيس ما قد سكنه‏.‏ أنه شرط في الحكم به لا في صحة التحبيس، وأما معرفة قدره فإنه محمول على معرفته بل هبة المجهول أو تحبيسه جائز، وأما توليته الحيازة لبنيه فسقوطه من الوثيقة لا يضر كما يأتي في التنبيه الثالث عند قوله‏:‏ ونافذ تحبيس ما قد سكنه، وأما عقد الإشهاد عليه فهو شرط في الصغير والكبير كما يأتي في المحل المذكور أيضاً، وأما معرفة الشهود لملك المحبس فإن عدم ذكره لا يضر كما مر في شهادة السماع‏.‏ نعم هو شرط في استحقاق الملك بالحبس كما مرّ هناك، وانظر ما تقدم في البيع على الغائب أيضاً إن شئت، وأما معرفة صغر البنين فسيأتي أيضاً في شرح البيت المتقدم، وأما معاينة الشهود للإخلاء فهو قول الناظم‏:‏ ومن يحبس دار سكناه الخ، وأما قبض المالك أمره فهو شرط كما يأتي في قوله‏:‏ والحوز شرط صحة التحبيس الخ‏.‏ وأما قبوله فإنه لا يضر سقوطه كما يأتي عند قوله‏:‏ ولمن سيوجد الخ‏.‏ ثم قال أول وثيقة النكاح‏:‏ ولا بد من ذكر الصحة أي صحة العاقد في النكاح والهبات والصدقات والأحباس وكل ما ليس فيه عوض اه‏.‏ ومقتضاه أن القول لمدعي المرض عند النزاع وليس كذلك كما مرّ عند قوله‏:‏ وقدم التاريخ ترجيح الخ‏.‏ ثم إن الوقف سنة قائمة عمل بها النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ والمسلمون من بعده‏.‏ وفي صحيح مسلم عن النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له‏)‏ اه‏.‏ وقد اتفقوا على جواز تحبيس المساجد والقناطر والطرق والمقابر، وإنما خالف أبو حنيفة في لزوم تحبيس غير ما ذكر ل في جوازه، فإنه يقول بجوازه لكنه عنده إنما يلزم بحكم الحاكم وهو قبل الحكم على ملك الواقف قبض أم لا‏.‏ وله الرجوع عنه بالبيع والهبة ويورث عنه عنده إن مات قاله في المعونة‏.‏ ابن عرفة‏:‏ والوقف إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديراً فتخرج عطية الذوات والعارية والعمرى والعبد المخدم حياته بموت قبل سيده لعدم لزوم بقائه في ملك معطيه لجواز بيعه برضاه مع معطاه اه‏.‏ فخرج بقوله‏:‏ منفعة إعطاء الذوات، وقوله شيء يشعر بأنه لا بد أن يكون متمولاً لا تافهاً، وقوله منفعة هذا هو الأصل وإن كان الحبس قد يكون للانتفاع كالمدارس لأن الانتفاع إنما يصار إليه إن شرطه المحبس أو جرى عرفه به، والفرق أن مالك المنفعة له أن يكريها ويعيرها لغيره بخلاف مالك الانتفاع فليس له إلا الانتفاع بنفسه فلا يكري ولا يعير، وبقوله‏:‏ مدة وجوده العارية والعمرى وهو مبني على أن الحبس لا يكون إلا مؤبداً وإطلاق الحبس على غير المؤبد مجاز عنده كما صرح به هو بنفسه حيث قال‏:‏ والروايات واضحة بإطلاق الحبس على ما حبس مدة يصير بعدها ملكاً وهو مجاز اه‏.‏ وعلى ذلك ينبني قوله‏:‏ لازماً بقاؤه الخ‏.‏ وأخرج به العبد المخدم وإنما قيده بقوله‏:‏ يموت قبل سيده لأنه فيه يظهر قوله مدة وجوده، وأما إن مات سيده قبله فإنه يبطل إخدامه ويرجع للورثة فهو خارج حينئذ بقوله مدة وجوده‏.‏ وقوله‏:‏ ولو تقديراً يحتمل أن يكون مبالغة في الإعطاء أي‏:‏ ولو كان الإعطاء تقديراً كقوله‏:‏ إن ملكت دار فلان فهي حبس، ويحتمل أن يكون راجعاً لمعنى قوله‏:‏ لازماً بقاؤه في ملك معطيه أي لا يخرج عن ملكه ولو تقديراً‏.‏ وقوله‏:‏ حياته يعني حياة السيد أو حياة العبد أو المخدم بالفتح فإن أطلق فيحمل على حياة العبد والكل خارج بما ذكر إلا أنه إن أخدمه حياة العبد وما بعده فإن الخدمة لا تبطل بموت السيد لأنها منفعة قد حيزت بحوز أصلها وتورث عن المخدم بالفتح في إخدامه حياة العبد أو إطلاقه كما يدل له قول ‏(‏خ‏)‏ في الوصية‏:‏ وبمنافع عبد ورثت عن الموصى له‏.‏

تنبيه‏:‏

من حبس على بنيه الصغار جميع أملاكه وقال في تحبيسه‏:‏ كل ما يملكه مدة حياته فهو حبس فإن كل ما يملكه بعد التحبيس لاحق بالحبس إن ملكه وهو سالم من الدين المستغرق وكان صحيح الجسم، فإن كان يوم ملكه مديناً فلا حبس إلا فيما تقدم الدين، وكذا إن كان مريضاً ومات من مرضه ذلك قاله في معاوضات المعيار‏.‏

الحَبْسُ في الأُصُولِ جَائِزٌ وفي *** مُنَوَّعِ العَيْن بِقَصْدِ السَّلَفِ

‏(‏الحبس‏)‏ بالسكون تخفيفاً للوزن ‏(‏في الأصول‏)‏ كالدور والأرضين والحوائط والطرق والآبار والمصانع وهي الحياض يجمع فيها ماء المطر، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون‏}‏ ‏(‏الشعراء‏:‏ 129‏)‏ ‏(‏جائز‏)‏ بلا خلاف بين الأئمة كما تقدم وهو لازم بالقول عند الأئمة الثلاثة، وخالف أبو حنيفة في غير تحبيس المساجد ونحوها كما مرّ وقال‏:‏ لا يلزم إلا بالحكم كما مر، وعنه أيضاً أنه لا يجوز في غير المساجد ونحوها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 103‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث‏}‏ الآية ‏(‏الأنعام‏:‏ 136‏)‏ قال في المتيطية‏:‏ ولا حجة له في ذلك لأن الآية إنما تقتضي التوبيخ على ما كانت الجاهلية تحرمه على نفسها تديناً وافتراء على الله اه‏.‏ وصرح الباجي بأنه باق على ملك المحبس قال‏:‏ وهو لازم تزكية حوائط الأحباس على ملك محبسها ‏(‏خ‏)‏‏:‏ والملك للواقف، وقال أيضاً في الزكاة كنبات وحيوان ونسله على مساجد الخ‏.‏ ‏(‏و‏)‏ جائز أيضاً ‏(‏في منوع العين‏)‏ من إضافة الصفة إلى الموصوف أي العين المنوعة إلى ذهب وفضة ‏(‏بقصد السلف‏)‏ كما نص عليه في المدونة في كتاب الزكاة وهو المشهور‏.‏

وَلا يَصِحُّ في الطَّعَامِ واخْتَلَفْ *** في الحَيوانِ والعُرُوضِ مَنْ سَلَفْ

‏(‏ولا يصح‏)‏ الحبس ‏(‏في الطعام‏)‏ ونحوها مما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه، وظاهره ولو للسلف وهو الذي يقتضيه ابن شاس وابن سلمون وغيرهما قالوا‏:‏ لأنه لا ينتفع به إلا مع استهلاك عينه والمذهب جواز وقفه للسلف أيضاً كالعين وينزل رد مثله بمنزلة دوام عينه وتزكي العين على ملك ربها كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وزكيت عين وقفت للسلف الخ‏.‏ فكان حق الناظم أن لا يفرق بين الطعام والعين‏.‏ ‏(‏واختلف‏)‏ بفتح اللام ‏(‏في‏)‏ جواز تحبيس ‏(‏الحيوان‏)‏ ناطقاً أم لا ‏(‏والعروض‏)‏ من سلاح وثياب ونحوهما وعدم جواز تحبيس ذلك ‏(‏من سلف‏)‏ فاعل بقوله‏:‏ اختلف، والقولان مرويان عن الإمام، والمشهور الجواز لحديث‏:‏ ‏(‏من حبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده كان شبعه وريه في ميزانه‏)‏‏.‏ وعليه عول ‏(‏خ‏)‏ إذ قال‏:‏ صح وقف مملوك ولو حيواناً ورقيقاً كعبد على مرضى وفي وقف كطعام تردد الخ‏.‏ وظاهره كالناظم أن المملوك يصح وقفه ولو جزءاً شائعاً وهو كذلك كما يأتي في قول الناظم‏:‏ وفي جزء مشاع حكم تحبيس قفي الخ‏.‏

ولِلْكِبارِ والصِّغارِ يُعْقَدُ *** ولِلْجَنِينِ ولِمَنْ سَيُولَدُ

‏(‏و‏)‏ يشترط في المحبس عليه أن يكون أهلاً للتملك حقيقة كزيد والفقراء أو حكماً كقنطرة ومسجد ولا يشترط كونه كبيراً ولا موجوداً بل ‏(‏للكبار والصغار يعقد وللجنين‏)‏ الموجود في بطن أمه بل ‏(‏ولمن‏)‏ لم يوجد في البطن ولكن ‏(‏سيولد‏)‏ في المستقبل والهبة والصدقة والوصية مثل الحبس في ذلك، ويتم ذلك ويلزم باستهلال من في البطن أو سيوجد ‏(‏خ‏)‏ كمن سيكون إن استهل أي إذا قال‏:‏ هو حبس أو صدقة على من سيولد لفلان فإن ذلك صحيح قبل الولادة غير لازم للمحبس ونحوه حتى يوجد ويستهل، ولذا كان للمحبس ونحوه أن يبيع أو يهب قبل الولادة بالكلية على المذهب فإن باع بعد أن ولد له ومات الولد ولم يحصل اليأس من ولادة غيره فلا يجوز اتفاقاً، ويفهم من هذا أنه لو قال‏:‏ هو حبس على ما يولد لي أو لفلان وبعدهم على المساكين فمات قبل أن يولد له أو حصل له اليأس من ولادتهما أن الحبس يبطل ويرجع ميراثاً، وأما إن وجد الولد ومات فإنه يستمر حبساً على المساكين، ويفهم من هذا أيضاً أن الغلة لا توقف بل هي للمحبس أو ورثته حتى يوجد الولد ويستهل وهو كذلك على المعمول به لأنه لا يلزم إلا بالاستهلال كما مرّ‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ يشترط قبول المحبس عليه حقيقة أو حكماً كما لو قبضه وصار يتصرف فيه لأن ذلك أقوى في الدلالة على الرضا من التصريح به، فإذا سقط لفظ القبول من الوثيقة فإن ذلك لا يضر حيث وجد القبض المذكور فالقبض يستلزم القبول والقبول لا يستلزم القبض، ولذا إذا لم يقبض الحبس حتى مات المحبس أو المحبس عليه المعين له بخصوصه فإنه يبطل ولو تضمن الرسم القبول فإن حبس شقصاً على شخص أو تصدق به عليه وعرفه بذلك فسكت ولم يقل قبلت وترك ذلك زماناً، ثم قام وأراد قبض ذلك وحيازته فله ذلك حيث لم يكن مانع من موت أو مرض أو فلس، فإن طلب غلة ذلك حلف أنه لم يسكت على وجه الترك ورجع بها قاله في الاستغناء ونقله ابن عرفة قال‏:‏ وفيه مع ركنية القبول نظر الأعلى أن بت الخيار موجب بته يوم عقده اه‏.‏ أي‏:‏ لأن القبول إذا كان ركناً فمعلوم أن الماهية تنعدم بانعدام بعض أركانها وذلك موجب لكونه لا غلة له، نعم ما في الاستغناء هو الجاري على من تصدق بأمة فلم يقبلها المتصدق عليه حتى ولدت أولاداً فإنها تكون له هي وأولادها، ولو أخذ السيد أرش قتل بعض أولادها فإن المتصدق عليه يرجع عليه به قاله في سماع عيسى، ولا يظهر فرق بين أولاد الأمة والغلة المذكورة، وبحث ابن عرفة وغيره‏.‏ لا يدفع الفقه كما تقرر عندهم والله أعلم‏.‏ وأما المحجور من صغير وسفيه فإنه يقام له من يقبل من وصي ومقدم، فإن لم يقبل من له أهلية القبول دفع لغيره ممن يستحق ذلك باجتهاد الحاكم ولا يرد للمحبس، فإن لم تكن فيه أهلية للقبول كالمساجد والقناطر والفقراء فلا يشترط قبولهم، والوصي ونحوه ليس له أن يرد ما وقف على محجوره فإن رد لم يصح رده‏.‏

الثاني‏:‏ إذا قال‏:‏ حبس على فلان وأطلق ولم يقيد بأجل ولا بحياته فإنه يرجع بعد موت المحبس عليه ملكاً على المعتمد، وأحرى إن قيد بالحياة أو بالأجل واختلف إذا قال‏:‏ هو صدقة عليك وعلى ولدك أو على عقبك هل يكون ملكاً أو حبساً‏.‏ اللخمي‏:‏ والأول أحسن ولكن يمنع الأول من التفويت لحق الثاني كذا قاله في المتيطية، وسيأتي نفسه في الهبة إن شاء الله‏.‏

ويَجِبُ النَّصُّ عَلَى الثِّمَارِ *** وَالزَّرْع حَيْثُ الحَبْسُ لِلصِّغار

‏(‏و‏)‏ إذا كان في الأرض أو في الأشجار المحبسة زرع أو ثمر مأبور في رؤوسها ف ‏(‏يجب النص على‏)‏ إدخال تلك ‏(‏الثمار و‏)‏ ذلك ‏(‏الزرع‏)‏ في الحبس فإن لم ينص على دخولهما وحصل مانع قبل الجذاذ والحصاد بطل ‏(‏حيث‏)‏ كان ‏(‏الحبس‏)‏ من الأب ‏(‏للصغار‏)‏ من بنيه لأنه قد شغل الحبس بزرعه وثمرته فلم تتم فيه حيازته لهم، وهذا إذا كان الزرع والثمر في أكثر الحباسة فإن كانا في ثلثه فأقل نفذ الحبس في الأملاك دون الثمرة لأنه يجوز له أن يستثنى من حبسه أو صدقته قدر ثلث المساكن في الدار وثلث الغلة فيما له غلة ثم يلحق بعد موته بالحبس أو الصدقة قاله في المتيطية‏.‏ وفي المعيار‏:‏ أن هبة الدار المكتراة لا بد أن يدخل الكراء في هبة الدار وإلاَّ جرى فيها ما تقدم، ثم إنما يتم إلحاقه بعد موته إذا كان المحبس عليه غير وارث وحمل ذلك ثلثه قاله في المتيطية أيضاً‏.‏ فقول الناظم‏:‏ ويجب الخ يعني على جهة الأولوية لأنه إذا لم ينص على ذلك أو لم يرد إدخال ذلك في الحبس ولم يحصل مانع قبل الجذاذ والحصاد فالحيازة تامة، وقولي‏:‏ مأبور احترازاً من غيره فإنه للمحبس عليه فلا تأتي فيه العلة المتقدمة، ومفهوم للصغار ومن في معناهم من سفيه ومعتوه أنه إذا حبسه على الكبار الرشداء وقبضوا الأصول بما فيها فإن حيازتهم تامة وإن كانت الثمرة لربها، وكذا لو حبس على غيرهم دار فقبضوها وفيها متاع له فإن الحيازة تامة لأنهم قبضوها وزائداً معها كما في المتيطية وابن سلمون‏.‏ وانظر ما يأتي آخر الهبة من أنه يجوز أن يهب له أرضاً ويستثني غلتها سنين وهذا في غير دار سكناه كما قال‏:‏

وَمَنْ يُحَبِّسْ دارَ سُكْنَاهُ فَلاَ *** يَصِحُّ إلاّ أنْ يُعَايَنَ الْخَلاَ

‏(‏ومن يحبس دار سكناه‏)‏ على بنيه أو على غيرهم ‏(‏فلا يصح‏)‏ الحوز ‏(‏إلا أن يعاين الخلا‏)‏ منها ويشهد عدلان بمعاينتها خالية من شواغل المحبس ويستمر على خروجه منها عاماً كاملاً، فإن رجع لسكناها قبله وبقي فيها حتى مات أو حصل مانع بطل إلا أن يكون المحبس مريضاً أو طريداً فآواه المحبس عليه فمات فذلك كلا رجوع كما في كتاب الصدقة من ابن سلمون ‏(‏خ‏)‏ عاطفاً على المبطلات أو عاد لسكنى مسكنه قبل عام، وظاهر هذا ولو رجع إليها بكراء عقده فيها بأن قومها أرباب المعرفة بكراء قدره كذا وسكنها بذلك الكراء، وبه صرح المتيطي في الصدقة قال‏:‏ ولو جاز ذلك بالكراء لجاز بغير كراء‏.‏ قال‏:‏ فإن لم يسكنها ولكن أسكنها غيره فإن أسكنه إياها على وجه العمرى أو الإسكان بطلت، وإن كان بكراء صحت، وإن شك هل بكراء أو إسكان صحت، وأما غير دار السكنى إذا عاد إليه قبل العام بكراء كما لو وهب لصغير فداناً من أرض ثم حرثه قبل العام بكراء قوَّمه به أرباب المعرفة فإنه لا يبطل كما نص عليه في هبات المعيار‏.‏ إلا أن يعاين الخلاء يعني لكلها أو جلها كما قال ‏(‏خ‏)‏ في الهبة‏:‏ ودار سكناه إلا أن يسكن أقلها ويكرى له الأكثر وإن سكن النصف بطل فقط، والأكثر بطل الجميع الخ‏.‏ والهبة والحبس من واد واحد كما يأتي، وظاهره أنه لا بد من إخلائها ولو حبسها على محجوره مع ما فيها من الأمتعة‏.‏ انظر ما يأتي عند قوله في الهبة‏:‏ وإن يكن موضع سكناه وهب الخ‏.‏

وَنَافِذٌ تَحْبِيسُ ما قَدْ سَكَنَهْ *** بِما كالاكِتراءِ مِنْ بَعْدِ السَّنَهْ

‏(‏ونافذ تحبيس ما قد سكنه‏)‏ بعد تحبيسه ‏(‏بما كالاكتراء من بعد السنه‏)‏ الظاهر أن ما والكاف زائدتان، وظاهره أن الكراء شرط في صحة حيازته وليس كذلك بل مهما رجع بعد السنة فالحيازة تامة على المشهور المعمول به، ولو رجع بغير كراء كما أن قوله‏:‏

إنْ كانَ ما حُبِّسَ لِلْكِبَارِ *** وَمِثْلُ ذاكَ في الهباتِ جَارِي

‏(‏إن كان ما حبس للكبار‏)‏ إنما يتمشى على طريقة ابن رشد، وأما على المشهور فلا مفهوم للشرط المذكور كما هو ظاهر مفهوم نص ‏(‏خ‏)‏ المتقدم‏.‏ وبالجملة فلا فرق بين الصغار والكبار في صحة الحبس إن رجع بعد العام كان رجوعه بكراء أو إرفاق أو غير ذلك كما في المتيطية قائلاً‏:‏ لو تصدق عليه بدار حازها له سنتين ثم سكنها بكراء أو غيره ومات فيها فهي ماضية اه‏.‏ ونحوه في المجالس والمفيد وغيرهما خلافاً لما في زمن أنه إذا رجع إليها بإرفاق بطل لأنه إنما يتمشى على طريقة ابن رشد التي درج الناظم عليها وهي معترضة كما نظم ذلك الإمام المزواري بقوله‏:‏

رجوع واقف لما قد وقفا *** بعد مضي سنة قد خففا

على صبي كان أو ذي رشد *** واعترضت طريقة ابن رشد

‏(‏ومثل ذاك‏)‏ الحكم المذكور في الحبس ‏(‏في الهبات‏)‏ والصدقات ‏(‏جار‏)‏ لأنها من واد واحد في وجوب الحيازة‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ إذا ثبت رجوعه قبل السنة أو بعدها فلا إشكال وإن جهل الحال هل رجع قبل السنة أو بعدها فقال أبو العباس الوانشريسي ونقله الفاسي في جواب له‏:‏ أنه يحمل على رجوعه قبل السنة ولا يعارضه ما في أحباس المعيار فيمن حبس على صغير ثم باعه من أنه إذا ثبت أن بيعه قبل العام فالبيع صحيح ولا قيام للمحبس عليه ولا لمن مرجعه له، أما لو تم الاحتياز بانصرام العام فالبيع مفسوخ ويجب الرجوع بالثمن على البائع أو على تركته إن مات لأنه إنما تكلم على ما إذا ثبت ذلك قبل العام أو بعده، وأما عند الجهل فلم يتكلم عليه وإن كان قوله‏:‏ إذا ثبت أن بيعه قبل العام الخ‏.‏ ربما يقتضي بظاهره أنه إذا لم يثبت وجهل أمره يحمل على ما بعد العام الخ‏.‏ لأنه لا يعارض صريح بظاهر ولا بمحتمل، وانظر ما يأتي عند قوله‏:‏ والحوز شرط الخ‏.‏ الثاني‏:‏ لا بد أن يضمن الشهود في الرسم معرفة صغر المحبس عليه لئلا يقوم عليه قائم وهو كبير فيقول له‏:‏ لم يتصدق عليك إلا وأنت كبير ولم تحز، ويقول هو‏:‏ كنت صغيراً، وقد اختلف في قول أيهم يقبل، والظاهر أنه يقبل قول الصغير لأنه يدعي الصحة فإن مات الأب بعد بلوغ الابن والحبس أو الهبة بيده فإن كان الابن معروف الرشد وقت بلوغه بطل، وإن كان معروف السفه صح، وإن كان مشكوكاً ومضت له سنة من موت الأب بطل قاله في هبات المعيار‏.‏ وإذا بلغ بعضهم ولم يبلغ البعض الآخر حاز الكبير لنفسه وللصغار بوكالة الأب، وظاهر المدونة أنهم محمولون على السفه حتى يتبين الرشد وهو ظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فان آنستم منهم رشداً‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 6‏)‏ وعليه فإذا مات الأب بعد البلوغ لا تبطل الهبة قاله أبو الحسن‏.‏ وقوله‏:‏ بوكالة الأب لا مفهوم له، وقوله‏:‏ لا تبطل الهبة يعني حتى يمضي له عام من يوم موت الأب كما مر، وقولهم‏:‏ إذا رشد ولم يحز لنفسه بطل محله إذا لم يكن الأب قدم من يحوزه كما يأتي في قوله‏:‏ وينفذ التحبيس في جميع ما‏.‏ الخ‏.‏

الثالث‏:‏ إشهاد الولي بالحبس على محجوره لا بد منه وذلك حوز لابنه ولا يحتاج إلى أن يقول‏:‏ رفعت يد الملك وأثبت يد الحوز، ولا إلى أن يقول الموثق وحاز لهم إلى أن يبلغوا مبلغ الحوز كما في المعيار وابن سلمون في فصل الصدقة ويتم حوزه له بعد الإشهاد بصرف الغلة في مصالح ابنه تحقيقاً أو احتمالاً، فإن علم أنه كان يصرف الغلة في مصالح نفسه دون مصالح ابنه بطل، والعلم بذلك إنما هو بإقراره أو بقرينة كما في الدر النثير، فإذا أقر أنه صرفها لنفسه أو في مصالح ابنه فإنه يصدق وتؤخذ من تركته فيما إذا قال‏:‏ إنها موضوعة تحت يده قدرها كذا فإن لم يقر بشيء حتى مات فهو محمول على أنه صرفها لابنه، وكذا يقال في الهبة والصدقة، وما للشيخ الرهوني في باب الهبة مما يخالف هذا لا ينبغي التعويل عليه‏.‏ وانظر ما يأتي في الهبة وقد أفتيت في بينة جاءت من سجلماسة شهدت بأن المحبس كان ى أكل غلة ما حبسه على صغار بنيه بما نصه‏:‏ هذه البينة قد أجملت في مستند علمها هل كان ذلك بمحضرها أو بإقراره لديها، ولا يتم أن يكون ذلك بمحضرها إلا إذا كانت تصاحبه في أوقاته كلها وذلك متعذر، ولذا قال ابن لبابة‏:‏ هو من الغموس الذي لا يجوز، وأيضاً فإن قولها ذلك مهمل مما لا يدل على تعميم أو تبعيض، وما كان كذلك فهو محمول على التبعيض لأنه المحقق وغيره مشكوك، فيكون المعنى أكل بعض ثمره أو زرعه، وعلى أنه أكل الجميع فيحتمل أن يكون أكل الجميع في بعض السنين دون بعض، وهذا البعض إما الجل أو النصف أو الأقل ولا يبطل شيء من العطايا باستغلال الأقل فلا يبطل الحبس المذكور إلا بثبوت أكل الجميع أو الأكثر ولا دليل عليه والله أعلم‏.‏ ثم أن الإشهاد شرط صحة في التبرعات من حيث هي وفي كل ما كان من غير عوض كالتوكيل والضمان ونحوهما، ولا يختص الإشهاد بالتبرع على الصغير فقط إذ لا معنى لكونه شرطاً في الصغير دون الكبير كما قد يتبادر، وحينئذ فإذا قال‏:‏ حبست أو تصدقت أو وكلت أو أوصيت ولم يقل اشهدوا علي بذلك ولم يفهم من حاله أنه قصدهم إلى الإشهاد عليه، فإنه لا يصح شيء من ذلك، وكذا لو كتب ذلك ولم يشهدهم عليه فلا ينفذ شيء منه لأنه قد يقول أو يكتب وهو غير عازم على شيء من ذلك كما صرحوا به في الوصية‏.‏ وقال ابن القاسم‏:‏ مثله في الرجل يقول لولده‏:‏ أصلح نفسك ولك كذا فإنه إذا لم يشهد لا شيء له لاحتمال أنه يريد التحريض نقله ‏(‏ح‏)‏ في باب الهبة، وقال ابن سلمون في فصل بيع الوكيل‏:‏ فإن لم يبينا في شهادتهما أن الموكل أشهدهما بالوكالة فشهادتهما باطلة لا يعمل بها اه‏.‏ وقد قالوا أيضاً‏:‏ إن الموهوب له إذا وهب الهبة وأشهد فذلك حوز وإلاَّ فلا كما قال ‏(‏خ‏)‏ في الهبة‏:‏ أو وهب إذا أشهد وأعلن الخ‏.‏ وإذا لم يكن حوز إلا مع الإشهاد فكذلك لا تكون هبة إلا معه أيضاً‏.‏

الرابع‏:‏ إذا حبس الولي على محجورة جزءاً شائعاً في جميع ماله وله أصول ورباع وعروض ورقيق وماشية وناض وطعام صح ذلك على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في جميع ما كان يملك يوم الهبة من الأصول والرباع والعروض والماشية حاشا ما سكن من الدار أو لبس من الثياب، وأما الطعام والناض فيبطل الحبس فيه إذ لا يعرف بعينه إلا أن يضعه على غير يده قاله في البيان، ونحوه لابن ناجي أول كتاب الهبة من المدونة قائلاً‏:‏ المشهور صحة هبة المشاع مع بقاء يد الواهب تجول فيه مع الموهوب له اه‏.‏ لكن الكبير لا بد أن يتصرف مع الواهب، وأما الصغير فإن حوز الأب له كاف كما مرّ‏.‏ وقوله في البيان‏:‏ صح ذلك حتى في العروض والماشية الخ‏.‏ هذا إذا لم يكن هناك منازع وإلاَّ فلا يقضي للابن إلا بما عين منهما بتوقيف الشهود عليهما أو بوصف يتحصل به تمييزها كما قاله ابن مالك وابن عتاب، وما ذلك إلا لالتباسهما بما اكتسبه الأب بعد الهبة بشراء ونحوه فلا يحكم للابن إلا بما شهدت البينة أن الحبس أو الهبة وقعا على عينه بخلاف الأصول، فإن الغالب عدم الزيادة عليها وإن زاد شيئاً فإن الغالب شهرته عند الناس كما قالوه فيمن أنكر أصل المعاملة فقامت بينة بالقضاء، ولذا قال ابن سهل في باب الوصايا عن ابن لبابة وغيره‏:‏ أن الصدقة إذا كانت على ابنه بجميع ماله فلا حيازة على المتصدق عليه يعني عند إرادة الحكم، وإن كان تصدق بأحقال بأعيانها فالمال موروث حتى تحوز البينة الأحقال لأنها لا تتميز من الموروث إلا بالحيازة والتحديد، وهذا إذا تنازعوا في الحدود وإلاَّ فسيأتي عند قول الناظم‏:‏

وناب عن حيازة الشهود *** توافق الخصمين في الحدود

وهذا يبطل ما في المعيار عن العبدوسي فيمن حبس جميع ما يملكه بقرية كذا من الدور والجنات على صغار بنيه وحازه لهم ثم توفي قال في الجواب‏:‏ إن الحبس باطل لعدم تعيين الأملاك المحبسة الخ‏.‏ ولما نقل ابن رحال جواب العبدوسي قال‏:‏ الحق في النازلة أن الحبس صحيح وكل ما عرف للمحبس بتلك القرية فلا إرث فيه الخ‏.‏ وكأنه لم يقف على ما تقدم عن ابن سهل وإلاَّ فهو أولى ما يرد به جواب العبدوسي، وقال الإمام القاضي سيدي عيسى السجتاني في نوازله‏:‏ إنما يشترط التحديد في صحة الحكم بالحبس، ومن ظن أنه شرط في صحة الحبس فهو غالط نعم يشترط معرفة الشيء المحبس عند إرادة الحكم لئلا يلتبس بالميراث‏.‏ وحيث لا لبس لا يضر عدم التحديد كما إذا قال المحبس‏:‏ حبست جميع الملك الفلاني في موضع كذا اه‏.‏ وهذا كله كاف في رد جواب العبدوسي، وأما إن تصدق عليه بعدد كمائة من غنمه أو عبيده فإن وسم الغنم أو وصفت بأعيانها صحت وإلاَّ بطلت قاله الإمام مالك‏.‏ ابن رشد‏:‏ قوله هذا في الذي تصدق على ابنه بعدد من غنمه أو خيله هو الذي رجع إليه وقد كان يقول في حيازته للعدد جائزة وإن لم يسمها ولا قسمها كالجزء المشاع اه‏.‏ وقد تحصل أنه إذا تصدق عليه بجميع ملكه الذي في محل كذا فلا حيازة عند إرادة الحكم بل كل ما عرف للمحبس أو المتصدق بذلك المحل فهو للمحبس أو المتصدق عليه، وإن كان بأحقال ولم يتوافقا على حدودها فلا بد من الحيازة عند إرادة الحكم، وأما إن تصدق بجزء مشاع أو بعدد من مائة مثلاً فالأقوال ثلاثة، الصحة فيهما عدمها فيهما صحتها في المشاع دون العدد وهو المعتمد‏.‏

الخامس‏:‏ إذا استحقت الدار ونحوها بالحبس فلا يقضى للقائم به إلا بعد إثبات التحبيس وملك المحبس لما حبس يوم التحبيس والإعذار فيه للمقوم عليه لاحتمال أن يكون حبس غير ملكه كما أن المشتري لا يقضي له بما اشتراه إلا بعد ثبوت الملك لبائعه‏.‏ انظر ما تقدم في شهادة السماع عند قوله‏:‏ وحبس جاز من السنين الخ‏.‏ ومعنى ثبوت ملكه هو ما أشار له ‏(‏خ‏)‏ بقوله‏:‏ وصحة الملك بالتصرف وعدم منازع وحوز طال كعشرة أشهر الخ‏.‏ وسيأتي ذلك في الاستحقاق إن شاء الله‏.‏

وكلّ ما يَشْتَرِطُ المُحَبِّسُ *** مِنْ سائِغٍ شَرْعاً عَلَيْهِ الْحبْسُ

‏(‏وكل ما يشترط المحبس‏)‏ مبتدأ أو عطف على قوله، تحبيس ما قد سكنه ‏(‏من سائغ شرعا‏)‏ بيان لما وقوله ‏(‏عليه الحبس‏)‏ جملة من مبتدأ وخبر خبر عن كل وهذا على أنه مبتدأ، وأما على عطفه على ما تقدم فالحبس فاعل بفعل محذوف معطوف بحذف العاطف على جملة يشترط، والتقدير‏:‏ ونافذ كل ما يشترطه المحبس ويقع الحبس عليه أي على اشتراطه من سائغ شرعاً ومثل للسائغ بقوله‏:‏

مثْلِ التَّساوي ودُخولِ الأَسْفَلِ *** وَبَيْعِ حظِّ مَنْ بِفَقْرٍ ابْتُلِي

‏(‏مثل‏)‏ اشتراط عدم ‏(‏التساوي‏)‏ بأن يقول في حبسه‏:‏ للذكر مثل خط الأنثيين‏}‏ ‏(‏ النساء‏:‏ 11‏)‏ أو العكس فإن أطلق حمل على التساوي ‏(‏و‏)‏ مثل عدم ‏(‏دخول الأسفل‏)‏ من الطبقات مع الأعلى منها فإن لم يشترط عدم دخوله فهو داخل إن عطف بالواو، ولذا قدرنا لفظة عدم لأن الأصل دخوله مع الواو والإطلاق حتى يشترط عدم الدخول، فإن عطف بثم فلا يدخل الأسفل حتى ينقرض الأعلى إلا أن من مات من الأعلى فولده يقوم مقامه ويدخل مع أعمامه كما في ‏(‏ح‏)‏ فإن قال‏:‏ هو حبس على فلان ثم على عقبه وعقب عقبه ففي دخول عقب العقب مع العقب لعطفه بالواو وكونه بعده على أن الترتيب لأجل تقدم العطف بثم قولان ذكرهما ابن عرفة‏.‏ ويظهر منه رجحان الأول، ومن هذا من حبس على أولاد أولاده الثلاثة الثلث لأولاد كل واحد فلو قلوا أو كثروا وقال في تحبيسه‏:‏ من مات من أولاده الثلاثة من غير عقب فنصيبه يرجع لأولاد أخويه ثم مات أحدهم عن غير عقب فهل نصيبه يقسم على عدد رؤوس أخويه نظراً إلى عدم التفصيل في المرجع أو يقسم بينهما نصفين نظراً إلى التفصيل في أصل التحبيس‏؟‏ فأفتيت بأنه يتخرج ذلك على القولين لأنه في المسألة الأولى ذكر الترتيب أولاً وأسقطه ثانياً، وفي مسألة التخريج ذكر التفصيل أولاً وأسقطه ثانياً، فالمحبس وإن أبهم في قوله رجع الخ‏.‏ فإن ذلك يحمل على ما فصله أولاً في أصل تحبيسه، ولهذا قال ابن رشد وغيره‏:‏ إذا كان كلام المحبس محتملاً لوجهين فأكثر فإنه يحمل على أظهر محتملاته، وأظهر المحتملات هنا جريان المرجع على التفصيل المذكور في أصل التحبيس والله أعلم‏.‏

‏(‏و‏)‏ مثل اشتراط ‏(‏بيع حظ من بفقر ابتلي‏)‏ فإنه يتبع شرطه أيضاً ويجوز له بيع حظه عند فقره ‏(‏ح‏)‏‏:‏ واتبع شرطه إن حاز كتخصيص مذهب أو ناظر أو تبدية فلان بكذا الخ‏.‏ لأن ألفاظ الواقف تتبع كألفاظ الشارع قاله في ضيح، ومفهوم من سائغ شرعاً أنه إذا شرط ما هو متفق على عدم جوازه شرعاً لم يتبع وأما المختلف فيه كاشتراط إخراج البنات من وقفه إذا تزوجن فإنه يتبع انظر ‏(‏ح‏)‏ ومحل الاتباع المذكور إذا أمكن فإن لم يمكن كشرطه الانتفاع بكتاب في خزانة لا يخرج منها أو تعذر صرفه في الوجه الذي عينه له كالقنطرة أو المسجد يهدمان ولا يرجى عودهما فإنه لا يتبع وينتفع بالكتاب في غير الخزانة وبأنقاض القنطرة والمسجد في مثليهما‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ إذا عين المحبس ناظراً فليس له عزله لتعلق حق المحبس عليهم بنظره لهم حتى يثبت ما يوجب تأخيره من تقصيره وتفريطه قاله في المعيار عن ابن لب قال‏:‏ وهذا بمنزلة مقدم القاضي على النظر في أمر المحجور أو المحبس فلا يعزله أحد لا القاضي الذي ولاه ولا غيره إلا أن يثبت ما يوجب عزله، ونحوه في الوثائق المجموعة‏:‏ والوصي إذا ترك دين يتيمة حتى أفلس من عليه الدين فإن تركه الترك المعهود فلا ضمان عليه وإن تركه وأهمله جداً ضمن وناظر الأحباس فيما يقبضه من الكراء كالوصي فيما مرّ، ففي الوكالات من البرزلي أن ناظر الأحباس إذا فرط في قبضها وقال‏:‏ إنه باق عند سكانه أن ابن عرفة أفتى بتضمينه، وبمثله حكم ابن عبد السلام قبله قال‏:‏ ونحوه لابن سهل في الوصي إذا بور ربع اليتيم‏.‏

الثاني‏:‏ ذكر في المعيار عن سيدي عبد الله العبدوسي أنه إذا ثبت بالعادة المستمرة أن السلطان يأخذ جباية الأحباس فالقول للناظر مع يمينه، لقد جمع ما زعم أن السلطان أخذه منه ولا ضمان عليه اه‏.‏

وَحَيْثُ جَاءَ مُطْلقاً لفْظُ الوَلَدْ *** فَوَلَدْ الذُّكورِ داخِلٍ فَقَدْ

‏(‏وحيث جاء مطلقاً لفظ الولد‏)‏ من غير تفسير بفلان وفلانة كما في الصورة الآتية، بل قال‏:‏ حبست على أولادي وأولاد أولادي أو قال على ولدي وولد ولدي، لأن المراد الجنس وأحرى لو أفرد فقال‏:‏ على ولدي أو على أولادي من غير عطف عليه فإنه يدخل في ذلك كله أولاده ذكوراً وإناثاً وأولاد أولاده الذكور فقط كما قال‏:‏ ‏(‏فولد الذكور‏)‏ ذكوراً وإناثاً ‏(‏داخل فقد‏)‏ فحسب و،

لا وَلَدُ الإنَاثِ إلاَّ حَيْثُما *** بِنْتٌ لِصُلْبٍ ذِكْرُها تَقَدَّما

‏(‏لا‏)‏ يدخل ‏(‏ولد الإناث‏)‏ ومن يدلي إلى المحبس بأنثى وهذا هو الذي اقتصر عليه ‏(‏ خ‏)‏ ونحوه في ابن الحاجب والشامل، وقال أبو الحسن في شرح المدونة‏:‏ المشهور دخول ولد البنت فيما إذا عطف إلى حيث انتهى لفظ الواقف قال‏:‏ وإنما لا يدخل ولد البنت على مذهب مالك فيما إذا أفرد ولم يعطف، وتبعه في تكميل التقييد ومحل ذلك إذا كان لفظ الولد يطلق على الذكر والأنثى في عرفهم أو لا عرف لهم أصلاً، وأما إن كان إطلاقه العرف على الذكر فقط كما عندنا اليوم فإنه لا يدخل الإناث ولو من صلبه إلا أن يصرح بهن كما في ابن عرفة، ومفهوم قوله مطلقاً أنه إذا جاء لفظ الولد مفسراً كقوله‏:‏ حبست على أولادي فلان وفلانة وأولادهما فإن ولد البنت داخل كما أشار له بالاستثناء المنقطع في قوله‏:‏ ‏(‏إلا حيثما بنت لصلب ذكرها تقدما‏)‏ أي لكن حيث تقدم تفسير لفظ الولد بذكر بنت الصلب، فإن ولد البنت يدخل إلى حيث ينتهي لفظ الولد الملتبس بضميرها، فإذا قال‏:‏ حبس على أولادي فلان وفلان وفلانة وأولادهم الذكور والإناث وأولادهم، فإنه يدخل ولد البنات وولد ولد البنات لا من بعدهم من أولادهن إلا أن يقول‏:‏ وأولادهم وأولاد أولادهم، ويذكر طبقة رابعة أو أكثر فإن أولاد البنات يدخلون إلى الطبقة التي سمى ثم يخرجون، وقول المحبس ما تناسلوا وامتدت فروعهم لا يوجب دخول ولد البنت في غير الطبقة التي انتهى إليها، فإن قال‏:‏ حبس على ابنتي وولدها دخل ولدها الذكور والإناث فإن ماتوا كان لأولاد الذكور ذكورهم وإناثهم ولا شيء لابن بنت ذكر أو أنثى‏.‏

تنبيه‏:‏

لو قال‏:‏ حبست على ولدي فلان وفلانة وترك آخرين فلا يدخل في تحبيسه من لم يذكره بخلاف الإيصاء على أولاده ذاكراً بعضهم فيعم من سمى ومن لم يسم لأن المقصود من الإيصاء القيام بالأولاد فهو مظنة التعميم قاله الوانوغي وغيره‏.‏

ومثْلُهُ في ذا بنيَّ والعَقِبْ *** وشامِلٌ ذُرِّيَّتي فُمُنْسَحِبْ

‏(‏ومثله‏)‏ أي مثل لفظ الولد المطلق ‏(‏في ذا‏)‏ أي في دخول ولد الذكور فقط دون المدلي بأنثى ‏(‏بني والعقب‏)‏ كقوله‏:‏ حسبت على بني أو على عقبي أو على نسلي فلا يدخل ولد البنت إلا لعرف‏.‏ وقال الوانشريسي‏:‏ الذي به العمل دخوله في عقبي إلى آخر طبقة سماها نقله في المعيار عن سيدي يحيى بن علال، ونظمه في العمل المطلق‏.‏ ثم إنه معلوم أن ألفاظ الواقف تجري على العرف، ولا يقال إنما يعمل به فيما ليس فيه نص بخلافه‏.‏ لأنا نقول محله في نص غير مبني عليه لا في مبني عليه كما هنا قاله الزرقاني‏.‏ ‏(‏وشامل‏)‏ خبر عن قوله ‏(‏ذريتي‏)‏ وقوله ‏(‏فمنسحب‏)‏ عطف تفسير على شامل، والمعنى أنه إذا قال‏:‏ حبس على ذريتي فإنه يدخل ولد البنت، وإلى هذه المسألة والمسألة المستثناة قبله أشار ‏(‏خ‏)‏ بقوله‏:‏ وتناول الذرية وولدي فلان وفلانة أو أولادي الذكور والإناث وأولادهم الحفيد الخ‏.‏ فقوله‏:‏ الحفيد مفعول بقوله تناول، وظاهره كالناظم أن لفظ الذرية يتناول الحفيد وهو ولد البنت وإن سفل، وهو ظاهر التعليل بقولهم‏:‏ لأن عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام وهو ولد بنت بخلاف قوله حبس على ولدي فلان وفلانة الخ‏.‏ وما بعده فإن ولد البنت يدخل إلى الطبقة التي انتهى إليها فقط كما مرّ‏.‏

فائدة‏:‏

اختلف فيمن أمه شريفة وأبوه ليس كذلك فأفتى ابن مرزوق وناصر الدين من فقهاء بجاية وجل فقهائها بأنه شريف لأنه من ذرية النبي عليه السلام كما يشمل قول المحبس على ذريتي واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن ذريته داود‏}‏ إلى قوله عيسى ‏}‏ ‏(‏ الأنعام‏:‏ 84‏)‏ فجعل عيسى من الذرية وهو ولد بنت، وأفتى ابن عبد الرفيع وغيره بأنه ليس بشريف، وصرح ابن عبد السلام بتخطئة من قال بشرفه متمسكاً بالإجماع أن نسب الولد إنما هو لأبيه لا لأمه‏.‏ انظر البرزلي في الأحباس فإن أطال في ذلك‏.‏

وَالحَوْزُ شَرْطُ صِحَّةِ التَّحْبيسِ *** قبْلَ حُدُوثِ مَوتٍ أوْ تَفْلِيسِ

‏(‏والحوز شرط صحة التحبيس‏)‏ وكذا سائر التبرعات من هبة أو صدقة أو نحلة إلا أن ينعقد النكاح عليها كما مر في قوله‏:‏ ونحلة ليس لها افتقار إلى حيازة الخ‏.‏ ‏(‏قبل‏)‏ متعلق بالحوز ‏(‏حدوث موت‏)‏ أو مرضه ‏(‏أو تفليس‏)‏ وظاهره أنه لا يشترط التحويز وهو كذلك بخلاف الرهن كما مرّ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وحيز وإن بلا إذن وأجبر عليه الخ‏.‏ والحوز رفع يد المعطي بالكسر من التصرف في الملك ورد ذلك إلى يد المعطى له أو نائبه من وكيل أو مقدم أو وصي هذا معنى ما أشار له ابن عرفة في حده، وهو يفيد أنه وضع اليد على الشيء، وأما الاستمرار وعدمه فشيء آخر فلو لم يحزه حتى مات المحبس أو فلس أو مرض ومات منه بطل كما يأتي في قوله‏:‏ وبانسحاب نظر المحبس الخ‏.‏ وكذا يبطل أيضاً بالتفويت من هبة وبيع ونحو ذلك قاله في المقدمات، وهو مفاد ‏(‏خ‏)‏ في الهبة حيث قال‏:‏ أو وهب لثان وحاز‏.‏ وقال في بيعها‏:‏ وإلا فالثمن للمعطي رويت بفتح الطاء وكسرها وهذا في الهبة، وأما في الحبس فإن الثمن يكون للمحبس كما تقدمت الإشارة إليه عند قوله‏:‏ ونافذ تحبيس ما قد سكنه‏.‏ وهو الجاري على ما يأتي في الجزء المشاع من أنه يجعل ثمنه في مثله ندباً، وأما الصدقة فإن الثمن يكون للمعطى له، وإلاَّ كان كالكلب العائد في قيئه كما يأتي عند قوله‏:‏ ومن يصح قبضه وما قبض، فلا بد من مراجعة ما يأتي هناك إن شاء الله، والمذهب أنه لا بد فيه من المعاينة ولا يكفي الإقرار بالحوز من المحبس والمحبس عليه بخلاف التصيير فيكفي فيه الإقرار لوجود المعاينة فيه، فلو قالوا في الوثيقة حوزاً تاماً ولم يقولوا معاينة لم يكف ذلك لأنه محتمل للمعاينة والإقرار فإن كان الشهود أحياء استفسروا وإن ماتوا بطل الوقف إلا أن يكونوا من العلماء العارفين بما تصح به الشهادة فيصح قاله العبدوسي، فلو وجد الحبس بيد المحبس عليه بعد حصول المانع وادعى أنه حازه قبله فإنه لا يصدق اتفاقاً عند ابن رشد إلا أن تقوم له بينة على دعواه كما مرَّ في الرهن، وظاهره أن الحوز شرط سواء كان على معين أم لا‏.‏ كالفقراء والمساجد وهو كذلك ‏(‏خ‏)‏ عاطفاً على المبطلات أو لم يخل بين الناس وبين كمسجد الخ‏.‏ ثم ما تقدم من أن الاستمرار وعدمه شيء آخر الخ‏.‏ هو الذي للقرافي في الفرق الثامن والعشرين والمائتين قال فيه‏:‏ إذا شهدت بيِّنة بالحيازة قبل الموت وشهدت الأخرى برؤيته يخدمه في مرض الموت قدمت بيِّنة عدم الحوز إذا لم تتعرض الأخرى لاستمراره اه‏.‏ ونحوه في المتيطية قال فيها‏:‏ فإن قام وصي على أيتام فأثبت أن أباهم كان أوقف عليهم وعلى أعقابهم ملكاً وأنه حوزه لغيره فحازه لهم بالمعاينة وأعذر إلى زوجته فأثبت أن أباهم لم يزل يعمر الملك ويدخل ما اغتل منه في مصالحه إلى أن توفي عنه فأعذر إلى الوصي في شهادة الاعتمار فلم يأت بمطعن فحكم القاضي بعد مشورة الفقهاء بنقض الحبس ورده ميراثاً اه‏.‏ وذكر في هبات المعيار عن ابن المكوي أن بهذا القول القضاء قائلاً‏:‏ إلا أن تشهد بينة للموهوب له أنه حاز الهبة سنة اه‏.‏ ونقله أبو العباس الملوي في التحرير لمسائل التصيير، وظاهر هذه النصوص أنه لا فرق بين أن يقولوا إنه رجع لوقفه قبل السنة أو أبهموا ذلك كما ترى، وأنه يحمل أمره عند الإبهام على أنه رجع قبل السنة كما قاله الوانشريسي كما مرَّ عند قوله‏:‏ ونافذ تحبيس ما قد سكنه الخ‏.‏ وبه أجاب سيدي عبد القادر الفاسي في نوازله قائلاً إن الأصل في هذا الحوز الذي شهدت به البينة الأولى الاستصحاب، لكن ذلك حيث لم يعارض وههنا قد عارضته شهادة اللفيف أن الواهب ما فارقه قط ولا رفع يده عنه مدة من سنة ونحوها قال‏:‏ وهو محمول عند جهل التاريخ أنه رجع قبلها قاله الوانشريسي اه باختصار‏.‏ وانظر ما تقدم في تعارض البينتين آخر الشهادات، وما للشيخ الرهوني في حاشيته في باب الهبة من رد ما للفاسي والوانشريسي لا يعول عليه ولا دليل له على ذلك في نقله، وبالجملة فالمعتمد ما به القضاء وعليه الحكم كما مرَّ عن المعيار والمتيطية وإن وجد ما يخالفه فلا يلتفت إليه والله أعلم‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ ما تقدم من بطلان الحبس بعدم الحوز إنما هو إذا حبس في الصحة، فإن حبس في المرض أو وهب فيه فهو وصية ينفذ منه ما حمله ثلثه، وكذا كل ما يفعله المريض في مرضه الذي مات منه من بت عتق أو صدقة هو في ثلثه إلا أن يصح من مرضه فينفذ إن حيز عنه قاله مالك وأصحابه، ومثله من حبس في صحته أو وهب فيها وقال‏:‏ ينفذ بعد الموت أو قال هبة صرفها من ماله حي أو مات، فإن ذلك يكون في الثلث إن كان الموهوب أو المحبس عليه غير وارث قاله في الوثائق المجموعة‏.‏

الثاني‏:‏ مرادهم بالمعاينة بالنسبة للعقار التطوف عليه بالبينة من سائر جهاته وإن لم تعاين البينة حرثه للأرض ولا نزوله فيها ولا قطف ثمار الأشجار ولو مات بعد ذلك قبل إبان الحراثة أو بعده لم يضر، وكذلك الدار إذا عاينوها فارغة وخلى بينها وبين المحبس عليه بقبض مفاتحها ونحو ذلك فذلك حيازة، وإن لم يعاينوا سكنى المحبس عليه فيها بهذا جرى العمل والفتيا قاله ابن العطار وغيره‏.‏ وإذا حيز الحبس بإكرائه أو بعقد المزارعة فيه أو مساقاته إن كان مما يسقى كان حيازة تامة واستغنى بذلك عن الحيازة بالوقوف على الأرض ونزول المحبس عليه فيها على المشهور المعمول به قاله في المتيطية‏.‏ ونظمه في العمل المطلق، وإنما لم يكتف عن المعاينة بإقرار المحبس لأن المنازع في صحة الحبس أما الوارث أو الغريم فلو اكتفى في ذلك بالإقرار لزم قبول إقرار الإنسان على غيره وهو باطل إجماعاً‏.‏